مغالطات التنمية الذاتية
مغالطات التنمية الذاتية
خطابات التنمية الذاتية هي خطابات لتحفيز الناس على التغيير و السعي وراء النجاح، و التحفيز على التغيير و طلب النجاح عمل محمود ومطلوب لا حرج فيه، ولكن المشكلة في تحفيز الناس عن طريق بيع الوهم و الأساطير و التلاعب بالعقول، و تقديم العلم الزائف للحالمين بالنجاح السهل و السريع، وذلك عن طريق الدورات التكوينية المكثفة، التي تكون فرصة ذهبية لممارسة أنواع مختلفة من المغالطات المنطقية منها على سبيل الذكر:
*المغالطة الأولى: تضخيم جانب التفكير الإيجابي على حساب جانب العمل، و ذلك باعتبار أنه أصل كل نجاح، وأنه لا نجاح للإنسان في شيء إلا بالتفكير الإيجابي، و ذلك بالإفراط في التفائل و الغرق في التفكير السطحي السادج البعيد عن معطيات الواقع السياسي و الإجتماعي و الثقافي وغير ذلك، فيدعي دعاة التنمية البشرية أن التفكير الإيجابي وحده يكفي الإنسان المتفائل الواثق في نفسه لجلب السعادة و النجاح و تحقيق كل آماله وأحلامه، ولا تدرك الأماني بالتمني، بل بالصبر و العمل الجاد، وقبل بالثقة في الله و إتخاذ الأسباب المناسبة و الممكنة، وحسن التوكل عليه سبحانه تعالى.
*المغالطة الثانية: مغالطة ثقافة الإستسهال ومعناها أن التنمية البشرية شجعت الناس على إقتحام كل صعب و إرتقاء كل مرتقى ولو كانوا لا يقدرون عليه، فرسخوا في عقول المتأثرين بأوهام التنمية البشرية أن كل شيء سهل مادام الإنسان واثقا من نفسه متفائلا يرجوا الخير و ينسى الشر، و ينسون أو يتناسون أن الإنسان له قدرات محدودة و معارف محدودة وأنه لا يحسن كل شيء و لا يعرف كل شيء، قال الشاعر :
قل لمن يدعي العلم معرفة علمت شيء و غابت عنك أشياء
وخير من قول هذا الشاعر قول ربنا جل في علاه: (*)وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (*)
ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، و قيمة كل إنسان ما يحسنه، و القول دائما أسهل من العمل، والتنظير كذلك سهل ولكن التطبيق صعب، فالإنسان يضع مئات النظريات لتفسير ظاهرة أو قضية معينة، أو يجد مئات الحلول السهلة و الجاهزة لمشكل معين، ولكن عند تنزيل تلك التفاسير أو تلك الحلول على الواقع، هنا تظهر الصعوبات و الإشكالات التي لم تكن ظاهرة في التنظير، ثم عند التطبيق ظهرت في الواقع.
المغالطة الثالثة: إنكار وجود المستحيل، وذلك بإقناع ضعفاء العقول بأن الإنسان لا يكون ناجحا إلا بالإيمان بأنه إنسان يملك قدرات غير محدودة، وأن المستحيل مجرد وهم، صنعه فقط خيال الإنسان الفاشل، وأن عليه أن( يطلق المارد الذي بداخله)،و بتكرار ما يريد فإنه يقوي الثقة في نفسه ويعزز الإيمان بقدراته الغير المحدودة، فيصبح لديه يقين تام بأنه إنسان قوي يستطيع تحدي كل الصعوبات و إنجاز كل عمل، دون أن ينظر إلى قدراته إبتداء فيراجعها ويزنها بميزان العلم والعقل ليدرك ما يناسب قدراته فيعملها، ويدع ما لا يحسنه من الأعمال التي ليس من اختصاصه ولا تناسب قدراته، فيستدرك ما فاته من نقص ويحاول إصلاحه، لا تجهال حقيقة قدراته والإيمان بالوهم و التعلق بالأمل الكاذب.
وقد حاول بعضهم وربما كثير منهم أسلمة هذه المغالطة الخطيرة، من خلال إستغلال الخطاب الديني، بالدعوة إلى التفاؤل بكل خير و الثقة في الله القوي العزيز لأنه على كل شيء قدير، وأنه هو الذي يهب للإنسان المؤمن قدرات غير محدودة تساعده على تحقيق النجاح و على تحقيق التغيير، وأن التغيير لا يتحقق إلا عندما ينطلق الإنسان من نفسه أولا فيغيرها و يصلحها، لأن الله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهذا كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( حق أريد به باطل) ، وبذلك لا يبقى شيء إسمه المستحيل إلا في أذهان الفاشلين وضعفاء الإيمان بالقدرة الربانية اللامتناهية.
وهنا مغالطة رابعة و أخيرة في هذا المقال، وليتها كانت الأخيرة في قائمة مغالطات التنمية البشرية، وهي مغالطة أسميتها( نصف الحقيقة)، فمن الشواهد على التحفيز و التغيير نحو الأفضل، ما يكثر من ذكره دعاة التنمية من تحديات و صعوبات واجهت العظماء و المؤثرين في تاريخ البشر كالفقر و الإعاقة و المرض و غيره من أنواع الضعف البشري، ثم يورد أن سبب تفوقهم على هذه الصعوبات وتجاوزهم لتك التحديات، إنما هو الثقة الكبيرة في قدرات النفس و التمسك بالأمل في الحياة و النجاح و غير ذلك من أنواع التفكير الإيجابي، وهذا حق ولكنه نصف الحقيقة، وأما النصف الآخر لحقيقة نجاح هؤلاء العظماء، هو البيئة و الأسرة أولا ونظام التعليم المتطور ثالثا الذي يقدر المواهب و يعمل بنظام تكافئ الفرص فيعطي لكل ذي موهبة فرصة لإظهارها، بل ويدعمه على تطويرها، و كما يروى عن العالم المصري المغترب أحمد زويل أنه قال( الغرب ليس ذكيا و العرب ليسو أغبياء، فالفرق بين الغرب و العرب، هو أن الغرب يدعمون الفاشل حتى ينجح أما العرب فيحاربون الناجح حتى يفشل)، أو كما قال رحمه الله تعالى، وهذا فارق مهم، يتم تجاهله عمدا أو سهوا.
ولا يعني هذا أن التنمية البشرية كلها شر محض، بل فيها بعض الخير و بعض الفوائد، لكن غلب عليها النصب والإحتيال و الدجل و الوهم، بل تم استغلال خطاب التنمية البشرية للترويج للعقائد الباطلة والأديان الوثنية كالعقيدة الباطنية و الغنوسية و البوذية و الهندوسية و غيرها، في قوالب إسلامية مزيفة و مشوهة و مناقضة لعقيدة التوحيد الصافية، والشيء يقاس بما غلب عليه من شر أو خير، فإن غلب عليه الشر فهو شر و إن غلب الخير فهو خير، ولكم واسع النظر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه بفضله الله عبده الضعيف الفقير إلى رحمة الله سبحانه: إدريس أبو عائشة صباح يوم الخميس ٢٤ جمادى الأولى ١٤٤٣ه، المواقف ل30 دجنبر 2021.
تعليقات
إرسال تعليق