لذات القراءة
أحدثكم عن شيء أسميته لذات القراءة..
الحمد لله الذي لا يحمد على شيء سواه.
كقارئ مغرم بالنظر في الكتب صغيرها و كبيرها حتى أكل و أمل ثم أعود سريعا كأنني ما كللت ولا مللت، فما عرفت لذة أعظم في هذه الدنيا غير لذة النظر في كتب العلم و الأدب ما خلا لذة العبادة، فتلك لذة أخرى وكبرى لايعرفها إلا الصالحون العارفون بالله وبدينه.
كم مرة أقول لنفسي: لقد كذب العشاق ولو صدقوا إن لم يكابدوا عشق الكتب، لكني سرعان ما أخجل من نفسي وأعاتبها عتابا شديدا وأذكرها بالكثير الذي أجهله، فتنطفأ شرارة غرورها، قبل أن تكون لهيبا يهلكني من حيث لا أدري ولا أشعر.
ولقد حاولت غير ما مرة أن أستريح وأريح ، بأن أدع الكتب وشأنها فلا أنظر فيها ولا أقربها ولا أقترب منها فلم أفلح ولم أجد إلى الصبر عنها سبيلا، ولم أهتدي إلى الإبتعاد عنها كثيرا أو قليلا حيلة، فآثرت الإستسلام وأيقنت أن الهوى غلاب وأني مغلوب ولا فائدة من مقاومة ما لا طاقة لقلبي المتيم به، و علمت أن ذلك عشق تملك قلبي وهيام إحتل جوارحي ويأبى أن يمنحها إستقلالا مشروطا أو غير مشروط، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولو خيرت بين الكتب وبين بعض اللذات لاخترت الأولى على الثانية قانعا و مقتنعا غير نادم، وصادقا غير كاذب، ولو كذب كلامي من شاء وشكك فيه من شاء، وقد يبرر البعض ذلك ولابد للإنسان من تبرير لأفعاله وأفعال غيره خطأ كان أو صوابا، قد يبرره بأن الكتب أثرت على سلامتي العقلية، أو قد مسني شيء من الجنون لإفراطي في العزلة و تفريطي في مجالسة غير القراء، كمجنون ليلى أو أكثر وليقل من شاء من شاء.
وذلك لأن في الأولى من اللذة أضعاف ما في الثانية، فلذة النظر في الكتب تصل إلى الساعات الطوال وذلك بحسب جودة الكتاب فكلما زادت الجودة إزدادت متعة النظر فيه والحاجة إليه، ولا ينبئك مثل خبير، ولأن الجهل داء لا دواء له إلا العلم، فإن المريض قد يشتري دوائا رديء الجودة أو قليل النفع، فلا يتداوى.
ومن لذات الكتب وهي كثيرة ولله الحمد أنها تجعلني في يقين يشبه الشك و في شك يشبه اليقين، وقبل أن يستدرك علي أحد، أسبقه وأوفر عليه الجهد فأقول: أشك في صحة أشياء وأوقن بصحة أخرى، وأترك أخرى وشأنها لا أقربها، فليس الشك عندي طريقا مضطرد إلى اليقين، فاليقين لا يزول بالشك وإنما يزول بيقين آخر، ومن ذلك أيضا أني كلما قرأت شيئا جديدا من العلم كلما طربت له وانتشيت وطمعت في الزيادة كطمع البخيل الجموع المنوع للمال، أو كما الإمام الشافعي أو من قلبه أو مز بعده، بل مثلي كمثل الظمآن الشارب من ماء البحر لا يزداد إلا ظمأ.
وإني لمن أحمق الناس إن استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، فاستبدلت اللذة الثانية بالأولى، وإنما الكتب أبواب ونوافذ على عالم العلم و المعرفة، وحسب القارئ أن يكون له من ذلك ولو نافذة صغيرة يطل منها على هذا العالم الممتع النافع فيرى كل يوم شيء جديدا ويتعلم جديدا، وكلما زاد إلى ذلك بابا أو نافذة استزداد من الخير، والزيادة من خير خير.
وإن شئتم فاعذروني على صراحتي واقبلوا اعترافي، وإن أبيتم إلا مخالفتي في شيء مما سبق أو في كل ما سبق فلكم واسع النظر.
ولا تنسوا أنكم لن تزالوا بخير ما دمتم قارئين، والسلام عليكم
#متعة_القراءة
تعليقات
إرسال تعليق